الجمعة، 26 أغسطس 2011

الطبيعة الحيـــــة كمصدر إلهــــام

الطبيعة الحيـــــة كمصدر إلهــــام
فى التصميم على المانيكان
المقدمـــــة :
        تشكل الطبيعة مصدراً هاماً من مصادر إلهام الفنان المصمم لما تزخر به من أنظمة هندسية تلك النظم التى اثبتت الكشوف العلمية أنها تعتبر نظاماً عاما لكل الكائنات الموجودة فى الطبيعة ولما كانت هذه النظم متوافرة فى الطبيعة فإن قدرة الفنان على استخلاصها والتعرف عليها ضرورى لمعرفة جوهر بنائها ليصبح إدراك ماهية هذا النظام هو مصدر إثمار أعماله الفنية وفى واقع الأمر فإن البناء الجمالى يكمن فى ترجمة النظم التى يستخلصها الفنان من العلاقات الموجودة فى العناصر الطبيعية المحيطة به. " خالد أبو المجد آدم:  1999- 1 " .
فكل ما يتوصل إليه الفنان المصمم من قيم جمالية يكون نتيجة البحث وفق جوهر الطبيعة حيث أنه لا يعتمد على نقل الطبيعة نقلاً حرفيا بل يلجأ إلى الكشف عن قانونها البنائى لإعطاء رؤى جديدة لتصميمات تحمل طابعها الخاص. " جلال محمد الدسوقى :           1997 – 75).
ويمكن للباحث المدقق المتأمل فى العناصر الطبيعية تلمس مبدأ وحده النظم للعناصر الطبيعية حيث ينظم تلك النظم بسلوكيات متنوعة تخضع لقوانين بنائية تثرى الرؤية الفنية عند مصمم الأزياء وتساهم فى القاء الضوء على منابع جديدة للرؤية والوصول إلى إيجاد علاقات وتنظيمات مستحدثة من خلال الجمع بين النظرية العلمية والفنية " جوهان دوشكر:         2000-67).
والمصمم فى الغالب يستلهم عناصره ورموزه من الطبيعة، وينظم تلك العناصر فى ضوء ما تملكه الطبيعة من قوانين ونظم النمو، ويبدأ ذلك النظام فى عناصر الطبيعة على تنوعها بدءا من أوراق الشجر، وقواقع البحر، أى طريقة توزيع الأوراق على الاشجار ، وغيرها من الأمثلة التى توجد فى الطبيعة.
ويبدأ التصميم عندما تتحول الفوضى إلى نسق ونظام، وهذا ما يراه بفلين بقوله" ما الفوضى إلا نظام لم يدرك بعد. " Bevlin, M: 1970-13 ".
وفى عملية استلهام الطبيعة بما فيها من ثراء، يمر المصمم بعمليتين إحداهما داخلية متصلة بقدراته الإدراكية بما فيها من ثقافة  وقدرات فسيولوجية وبيولوجية والأخرى خارجية تتمثل فى علاقته بالطبيعة، حيث تعتمد عملية التصميم على التنظيم البصرى " محمد حافظ محمد : 1982- 13".
ويسعى الفنان دائماً إلى محاولة اكتشاف مكونات الطبيعة التى يتعامل معها بصرياً، بهدف توظيف مكوناتها فى بناء وتشكيل أعماله الفنية برؤيته الخاصة والفنان مهما كانت قدرته البشرية على درجة عالية من الاكتشاف والتعرف على تلك المكونات فإن تلك القدرات تعتبر قاصرة ومحدودة تماماً بالقياس إلى ما تزخر به الطبيعة من عناصر شديدة التباين، إذ أنه لا يستطيع أن يتعرف على كل شئ منها سواء ما ظهر منها أو ما بطن.
وقد أكدت البحوث والدراسات السابقة على ضرورة الكشف عن مكونات الطبيعة وتحليل الأسس البنائية لها فالطبيعة بكل ما تحتوى من جماليات كانت وستظل الملهم المحرك الأول لخيال ورؤية الفنان خاصة الفنان المصمم فنراه يتأمل فى الطبيعة تأمل الفنان العاشق يحاول ان يكتشف بنفسه عناصر الجمال بها ويكتشف الطاقة الكامنة بداخلها يحلل الخطوط والألوان والمساحات والملامس ليكتشف برؤيته الثاقبة جماليات يمكن إعادة صياغتها برؤية تشكيلية مبتكرة إلى خطوط وألوان ومساحات ولكن فى صورة تصميم ملبس يحمل فى طياته روح الطبيعة.
والاستلهام فى التصميم على المانيكان يعد من أهم الموضوعات التى يجب تسليط الضوء عليها ودراستها من الناحية العلمية والناحية الفنية إذ تعتبر أحدى الدعامات الأساسية لعملية التصميم إذ يتوقف عليها الملامح الأساسية فى المنتج وطبيعته التشكيلية والوظيفية والمعتمدة على الابتكار والإبداع والتطور فى جمال التصميم عامة والتصميم على المانيكان خاصة.
فيجب على مصمم الأزياء على المانيكان أن يعتمد فى الحالة الابتكارية إلى جانب دراسته وخبراته فى التصميم على المانيكان إلى مصادر متنوعة ويقتبس منها  ويستلهم أفكاراً جديدة تناسب عمله الابتكارى الذى يقوم بإبداعه.
والمصمم لابد أن يلجأ إلى مصدر للإلهام والاقتباس أو يتأثر بمصدر يمثل له حافز للاستلهام فالمصمم الجيد هو الذى يملك القدرة على حاسه الاستلهام من مصادر عديدة وأساليب متعددة، فكل ما يحيط بالمصمم من مؤثرات بصرية مباشرة ، أو مؤثرات تدعو للتفكير والتأمل والتحليل تمثل له الإلهام التصميمى فلا يوجد إنسان بقدرته أن يتخيل شئ ليس له وجود إنما كل ما يفعله هو انعكاس لمعلومات تراكمت نتاج خبرة بصرية أو فكرية مسبقه من الحياة والبيئة بكل ما فيها " إسماعيل شوقى : 1998 – 11"  ونظرا لقلة الدراسات التى تناولت العناصر الطبيعية كمصدر إلهام فى التصميم على المانيكان رأت الباحثة أنه من الضرورى إلقاء الضوء على منابع ورؤى جديدة لمفهوم التصميم على المانيكان من خلال دراسة الطبيعة وعناصرها ومحاولة تطويعها وصياغتها صياغة فنية داخل العمل المبتكر.
 
الإطــــار النظــــرى
أولاً : مفهوم الاقتباس لغوياً وفنياً:
-   قبس منه أى أخذها منه: إستفاد منه – تعلمه، ونقول أقتبس فلان العلم : أى علمه أياه أو اعطاه ، نقل عنه " المنجد فى اللغة العربية والآدب والعلوم : 1927 – 636"
-   قبس العلم أى استفادة ، وقبس الرجل علماً أو نوراً: أى أفاده إياه – واقتبس فلاناً علماً أى طلب أو استفاد. " المعجم الوسيط : مجمع اللغة العربية: 1990 – 566".
-       استشهد بشئ ونقل عنه واقتبس منه " Oxfad Advanced : 1974-235"
-       هو أثر الاستشهاد بالشئ والاقتباس منه فى العمل الفنى " Longman Dictionary: 1978- 300".
-   الاقتباس هو ميلاد فكرة جديدة بملامح مميزة من خلال واقع ملموس، أو غير ملموس فهو نقل للطبيعة بتغيير بسيط بحيث لا نفقد الأصل أو نمحى الطبيعة أى أنه بمثابة صياغة جديدة بحيث تتلاءم مع طبيعة ما يفعله الفنان الذى يقوم بالاقتباس.
-   فهو عملية يستوحى فيها الفنان أفكاره من عناصر قد تكون طبيعية أو تاريخية، أو من خلال الفنون المختلفة أو الخامة التى يقوم باستخدامها. " زكريا إبراهيم ، 1959: 24-25".
-   وقد ذكر الفنان " أدوين ديكينسون" أن الاقتباس يتم بمعالجة الموضوع الذى يقتبس منه التصميم بحيث يجعل المشاهد يرى الشئ المألوف من زاوية جديدة تحمل ملامح المصدر الأصلى ويحاول الفنان بمهارة وقدرة كبيرة فى الوصول لذلك الشئ الجديد غير المألوف بملامح مبتكرة. " حكمت محمود عيسوى ، 1984 – 111".
-   الإلهام هو نوع من الضوء أو الشرارة التى تنير لشخص معين الطريق الغامض، وحينما يظهر هذا الضوء ويتناوله الفنان بالرعاية، فإنه حتما سيوصله إلى الكشوف النادرة التى يصل إليها، أما إذا هو أهمله فسوف لا يحقق شيئا " محمود البسيونى 1986 –39 "
-   وهو عملية إدراك وإستلهام النظم التى تقوم عليها الاشكال وأن تأتى الأعمال بحس طبيعى دون محاكاه مباشرة ولكن تعطى أيحاءات مختلفة لأشكال الطبيعة " تهانى محمد نصر : 1989 – 33" .
وترى الباحثة أن عملية الاقتباس عملية حسية فنية تحتاج لفنان واعى راقى الإحساس يستطيع أن يحلل ويدرس مصدر الاقتباس إلى أن يصل إلى النسب الجمالية وجماليات هذا المصدر ويشعر أن المصدر قد استحوذ كل كيانه ثم يحاول تقليد المصدر بدون نقله نقل حرفى وبدون تشويه المصدر أيضا.
فالإلهام ربما يأتى بفكرة بسيطة، عابرة ، فكرة قد لا تلوح لسائر الناس، لكنها فكرة ولدت فى رأس شخص معين، هذه الفكرة تحتاج إلى إنبات لتثمر، والإنبات معناه العزم على تناول الفكرة بالرعاية والنماء، وبذل الجهد لإجراء الدراسة اللازمة حولها، وعدم الاقتناع بالميسور، بل السعى للغوص إلى الأعماق حتى تأتى الفكرة أكلها وتثمر وتشع على البشر. " محمود البسيونى ، 1986- 41".
ويحكم على قيمة قطعة فنية من درجة الإلهام التى تنطوى عليها وسواء كانت القطعة الفنية قديمة أو غاية فى الحداثة، كلاسيكية التكوين أو حرة، مطلقة خاضعة لتخطيط، فإذا كانت تحوى إلهاماً أصيلاً لابد أن تعيش، وتحب بصرف النظر عن بساطتها أو تعقيداتها التكنلولوجية. " Fredric Horward Griswold, 1939- 25" .
ثانياً: مصادر الاقتباس:
        إن مصادر الاقتباس كثيرة ومتعددة فكل ما يحيط بالفنان من أشياء ملموسة أو غير ملموسة تكون مصدر إلهام خصب للفنان، فالطبيعة بما فيها من أشجار وأنهار وبحار وألوان، والطبيعة الصامتة بما فيها من المبانى والمساجد والكنائس والزخارف والأحداث التاريخية الجارية والفنون المتنوعة الموجودة فى عصر الفنان وأحياناً تكون الخامة الموجودة والمتوافرة بين يدى الفنان لها كبير الأثر فى الإلهام وتتعد مصادر الاقتباس ما بين:
1- الاقتباس من التاريخ:
تعتبر دراسة التاريخ من المصادر الخصبة الفنية التى تمد الفنان عامة ومصمم الأزياء بوجه خاص بالعديد من الأفكار لأن التاريخ يحفل بالفنون والطرز التى كانت تميز كل فترة تاريخية عن الفترات الأخرى.
ويؤكد " كريستبان ديور" أن دراسة التاريخ من المصادر الخصبة التى كانت لها دور كبير فى نجاح معظم تصميماته ويقول أن السفر وزيارة المتاحف تمنحه الكثير من الأفكار الجديدة، ويؤكد أن دراسة التاريخ والاقتباس منه سلاح ذو حدين لأن المصمم يمكن أن يجد نفسه ينقل حرفياً كل معالم الفترة الزمنية  أو كل معالم المصدر من جهة ومن جهة أخرى يمكن أن تكون الفترات الزمنية مصدر غنى بالأفكار التى تكمن فى مدى التفاصيل الدقيقة الموجودة بها " Diana, demarly : 1990-42"
أحد تصميمات كريستيان ديور والمقتبسة من العصر الفرعونى

أحد تصميمات شانيل والمقتبسة من الفن الحديث (المدرسة التكعيبية )

توضح أحد تصميمات ديور  والمستلهمة من الخامة

أحد تصميمات إيمانويل انجرو والمقتبسة من الطبيعة الحية (شكل الفراشة )